الطاغية......
كلمة قاسية ..تحمل الكثير من المعاني والدلالات حتى أنه قد يُلقىَ في الأذهان أن هذه الكلمة ذاتها تبدو وكأنها تنوء بما تحمله من معان وقسوة كما تنوء الدابة بأثقالها.....
وفي تاريخنا الكثير من الطغاة والجبابرة ..
طغاة لو أفردنا لهم مئات الصفحات لما كانوا عليه ما كفتهم
والطبيعي فيمن قد عرفنا من الطغاة أن يقترن وصف الطغيان مع القسوة أويصاحبه جنون العظمة
لكننا وجدنا أيضا من قد أقترن طغيانه ...بحماقة وغباء ليس له نظير....
فما أكثر ما أبتلينا به من أمثال هؤلاء....وبما صنعناهم
وحينما أكمل الحاكم بأمر الله عامه الخامس عشر....
أراد أن يبدأ حياته العملية بشكل مختلف
فقرر قتل معلمه ومربيه ومن اخذ له البيعة وكان اسمه برجوان
ثم قتل بعدها وزيره "فهد" وأحرقه حتى تفحمت جثته
وكان لهذا الوزير 500 الف دينار وأخ له فطلب الحاكم بأمر الله أخ الوزير وسلمه مال أخيه وجثته المتفحمة
فحزن الأخ على ما لحق بأخيه وقال سنفتقدك أخي ...ثم فرح بميراثه فما لحق أن يفرح الأخ بها حتى قتله في اليوم التالي ليلحقه به ...
وبعدها قرر أن يصفي عدد من معارضيه فطلب مجموعة من العلماء وقادة الجيش
وكان بينهم قائد جيشه الأعظم
فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم...ومثل بجثثهم
ثم منع أكل الملوخية و الجرجير
ومنع ذبح البقر في غير وقت عيد الأضحى
وقرر قتل كل الكلاب في الطرقات والأزقة في طول البلاد وعرضها عندما نبح عليه جرو ذات مرة
ومما يروى عنه أيضا أنه رسم لجماعة من الأحداث أن يتقافزوا من موضع عال في القصر ورسم لكل منهم بصلة فحضر جماعة وتقافزوا فمات منهم نحو ثلاثين إنسانا من أجل سقوطهم خارجاً عن الماء على صخر هناك ووضع لمن قفز ماله.
وكان الحاكم يحب الطواف في الشوارع على حماره ليرى أحوال الناس, وقبل أن تظنوا أن في ذلك الخروج مظهرًا من "صلاح" الحاكم, أسارع بتنبيهكم أن ذلك كان عل العكس تماماً وبالاً على الرعية؛ فقد كانت عقوبات الحاكم بأمر الله لمخالفة تعليماته -أو القوانين بشكل عام- غير متناسبة من حيث قسوتها المفرطة مع الجرم...
فالسرقة عنده كانت عقوبتها الشنق بلا هوادة, وكذلك إنكار المدين وجود مال للدائن عنده, عاقب عليه بأن شنق المدين على باب بيته, ولا نستطيع أن نجزم بالضبط مشكلته مع النساء ولكن ما نعلمه أنه أمر بعدم خروج النساء من بيوتهن والسير في الطرقات وتستوي أن تكون النساء شابات أو عجائز ...فاختفت النساء من الطرقات تماماً وخوت الشوارع منهن بل ومنعهن من الذهاب للحمامات الشعبية -حيث اعتدن الاستحمام والتطهر هناك( لم يكن هناك أي نوع من الحمامات في المنازل ) وعندما وجد بعض النسوة قد خالفنه ودخلن حمامًا, أمر بإغلاقه عليهن حتى متن فيه مختنقات. أما الطامة الكبرى فقد كانت في ما يتعلق بالغش التجاري؛ فقد كان الحاكم يصطحب معه في جولته عبده الأسود "مسعود" وكان حين يطوف بالدكاكين في الأسواق ويجد رجلا يغش في تجارته يأمر مسعودًا أن يفعل بالتاجر فعل اللواط على الملأ في التو والحال!
ووحشية عقوبات الحاكم بأمر الله بالفعل نستطيع أن نقول أنها قد قللت من معدل الجرائم, لدرجة أن الناس كانت تجد الدنانير الذهبية ملقاة على الأرض فتتركها حيث هي خوفًا من الاتهام بالسرقة؛ ولكنه مع ذلك لم يحقق الأمان المنشود, فقد أمن الناس لبعضهم بعضًا في نفس الوقت الذي سكنهم فيه الرعب من حاكمهم! وكرهوه
وأكمل الحاكم بأمر الله عنقود طغيانه واضطهد العلماء و كتب علي المساجد سب الصحابة ولكنه عاد و محاه، و اضطهد أهل الذمة و هدم كنائسهم و أجبرهم علي لبس أجراس ثقيلة في رقابهم ، و لكنه عاد و عدل عن سياسته.
وقد أمر يومًا أهل الذمة في مصر باعتناق الإسلام وإلا قتلهم جميعًا, في مخالفة صارخة لمبدأ "لا إكراه في الدين" الذي أقره القرآن ودعمته السنة, ثم بعد ذلك بفترة وجيزة ألغى أمره وسمح لمن أسلموا كرهًا أن يعودوا لأديانهم؛ فعاد معظمهم. ثم كان أحيانًا يهدم كنائس النصارى ومعابد اليهود ويحولها لمساجد, ويعود بعدها يهدم تلك المساجد ويعيدها كما كانت معابد وكنائس. كما أمر أهل الذمة جميعًا بأن يعلقوا في أعناقهم رموزهم الدينية لتمييزهم عن المسلمين, وجعل لتلك العَلاَمات أوزانًا محددة, كانت ثقيلة جدًا على العنق بشكل آذى الذميين الذين أمرهم بارتداء تلك الأثقال حتى عند الدخول إلى الحمامات!
وبالرغم أن الفاطميون كانوا شيعة رافضة, ولكن الحاكم بأمر الله بالذات كان أشدهم تعصبًا لمذهبه وبغضًا للسنيين؛ ففي عهده شاع انتهاك حقوق أهل السُنة بشكل صارخ؛ فقد شدد الحاكم الأمر بكتابة سباب الصحابة "أبو بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص ومعاوية" -رضي الله عنهم أجمعين- على جدران المساجد وفوق الأضرحة والقبور, وأمر بسبابهم من فوق المنابر في الخطب والصلوات, وعاقب من أظهر حبهم بالتشهير والصلب. ثم امتد عبثه للصلوات فمنع صلاتيّ الضُحى والتراويح, وغيّر مواقيت الصلاة فجعلها حسب المزولة العربية لا التوقيت الشمسي؛ فكانت صلاة الظهر تقام في الساعة السابعة والعصر في التاسعة,
أما الجريمة الكبرى فكانت حين أراد بعض أهالي مدينة الفسطاط السخرية من الحاكم فصنعوا دمية على هيئة امرأة بالحجم الطبيعي, وجعلوا في يدها ورقة بها سباب في الخليفة ووضعوا الدمية في طريق يمر به يوميًا. فعندما رآها وقرأ الورقة أمر بقتل المرأة, ثم أدرك أنها دمية فعاد إلى قصره وأرسل عبيده السودانيين يحرقون المدينة ويدهمونها ويعتدون على بيوتها. فهجم العبيد على البيوت ونهبوها وقتلوا أهلها واغتصبوا النساء, وأحرقوا ثلثيّ البلد؛ فرأى الجنود الأتراك -وكانوا من أهم عناصر جيش الفاطميين- ذلك فتعاطفوا مع الشعب وخرجوا للشوارع للدفاع عن الناس ضد عدوان عبيد الخليفة. ووقف الخليفة في أعلى مكان بقصره يشاهد ما يجري في البلد وهو يظهر البكاء ويقول بـ"براءة": "من أمر هؤلاء العبيد بفعل هذا؟" ويُظهِر التأييد للجند التركي في دفاعهم عن العامة؛ بينما هو يرسل السلاح سرًا لعبيده ويحثهم على المزيد من القتل والتدمير..
ولم يبقى الحاكم بأمر الله من فعل مشين ظالم أو علامة من علامات التجبر إلا وقد أتى عليها حتى انه رمى أخته التي قد ربته بالفجور وطعن في شرفها في وقت تجاوزت فيه ست الملك الخمسين من عمرها ،, وختم سيرته العجيبة بما يكمل ما قد بدئه من كل مظاهر الجنون والطغيان فانتهى بأن أدعي الألوهية و معرفته بالغيب، و له مخطوط اسمه “رسائل الحاكم بأمر الله و القائمين بدعوته” تبين ما يدعيه الحاكم من صفات الألوهية.
وليس غريبا أن نتوقع أن تأتي نهاية رجل مثل هذا. بشكل دراماتيكي ..فكم لأمثاله من أعداء له يلتمسون قتله
حيث أختفى الحاكم بأمر الله المنصور(985 - 1021) الخليفة الفاطمي السادس فجأة ولم يعثر له على اثر وإنما وجدت عباءته ملطخة بالدماء ولم يعثر على جثته ..ليسدل الستار على حاكم من اكثر حكام التاريخ جدلا وطغياناً........
Categories:
مقال