عاش 90 عاماً ثم مضى فلم يتعد ذكره سوى بضعة أسطر فقط في كتاب قديم !!!.....
تسعون عاماً حافلة بكل شيء ...
امضى خلالها سنوات طويلة وفعل بالتأكيد أشياء كثيرة وكبيرة ولكنه في النهاية لم يحظى إلا بالقليل والقليل جداً
كان رجلا عظيماً ولكن ما أهمية ذلك فقد مات ولا يعلم هل من يأتون بعده سوف ينصفونه أم لا...ولهذا السبب فقد قرر بعض الكتاب والفلاسفة بأن ينعوا انفسهم بأنفسهم أو يؤرخوا لأنفسهم بأنفسهم فكتب بعضهم مذكراته أو كتب ما يود أن يقرأ عنه حقاً بعد موته والبعض الآخر كتب كلمات فوق قبره أو كتب ناعيا نفسه في مقالة أو أبيات من الشعر مثلما فعل العقاد حين قال
إذا شيعوني يوم تقضي منيتي
وقالوا أراح الله ذاك المعذبا
فلا تحملوني صامتين إلى الثرى
فإني أخاف اللحد أن يتهيبا
وغنوا فإن الموت كأس شهية
وما زال يحلو أن يغنى ويشربا
وما النعش إلا المهد مهد بني الردى
فلا تحزنوا غيه الوليد المغيبا
ولا تذكروني بالبكاء وإنما
أعيدوا على مسمعي القصيد فاطربا
....فهو لا يدري هل سينعيه الناس بما يستحق أم لا وما يفيده بعد موته حتى و لو انصفه الناس ...فقد انتهى وذهب ...
و قد قال برنارد شو عند فوزه بجائزة نوبل في الأدب ...سعدت بقيمتها المالية ولم تسعدني قيمتها الأدبية ...فقد أصبحت مثل طوق النجاة الذي يلقي للغريق بعد أن سبح ووصل إلي الشاطئ واصبح في غير حاجة إليه...
ومعنى ذلك ..إنه حاز الجائزة عندما أصبحت بغير قيمة فعلية له وكان قبل ذلك يحتاج إليها وإلى قيمتها الادبية ومعناها ولكنها جاءت متأخرة...جداً
وكم من أشياء تأتي بعد وقتها فتفقد معناها وقيمتها
ولهذا يقول يوسف السباعي في مقدمة روية أرض النفاق
"أني لا أود أن أكون أول المنافقين في أرض النفاق ..وأني لا أرغب في أن أتهم بأني أنهى عن خلق وآتى مثله ..أو أني آمر الناس بالبر وأنسى نفسي ...بل أريد أن أكون أول من يخلع رداء النفاق ..في أرض النفاق ..فأبدو على حقيقتي...أنانيا مغرورا .
وأني أود أن أكرم نفسي وهي على قيد الحياة....فلشدة ما أخشى ألا يكرمني الناس ..إلا بعد الوفاة..ونحن شعب يحب الموتى ..ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا في باطن الأرض .
إني أريد كل شيء أريد ما بالدنيا وأنافي الدنيا ..أما الخلود ..والذكرى..والتاريخ..فما حاجتي لها وأنا عظام نخرة تثوى في قبر بقفرة ..ما حاجتي إلى تقدير الأحياء وأنا بين الأموات؟....ما حاجتي إلى أن يذكروني في الدنيا وأنا في الآخرة!!ويمجدوني في الأرض وأنافي السماء؟!
أني أبغى المديح الآن ...والتقدير الآن..وأنا أسمع وأحس...فما أمتعني شيء كسماع المديح والتقدير ..قولوا عني مخلصين ..وأنا بينكم ...إني كاتب كبير قدير شهير ... وإني عبقري ..ألمعي ...لوذعي.
فإذا ما متُ ، فشيعوني بألف لعنة ، واحملوا كتبي فأحرقوها فوق قبري ، واكتبوا عليه : " هنا يرقد أكبر حمار .. أضاع عمره في لغو وهذر " .
إني لا شك رابح كاسب .. لقدسمعت مديحكم وأنا حي محتاج إليكم .. وصممت أذني عن سبابكم وأنا ميت ، أغناني الله عنكم وعن دنياكم ."
فدعونا ننعي أنفسنا أغنانا الله عنكم وعن دنياكم
Categories:
مقال