هَمَسـَــاتٌ عـَـابرةْ II

و لله دَرُّك ..يا شجرةِ الصفصافِ !!
أيا ظلَّ امرأةٍ...
تَسدلُ شَعْرَهَا المجدولِ ــ كما الضفائرِــ
من بينَ الضِّفافِ
عشرونَ عاماً في فراقكِ قد مضتْ...
والعهدُ باقٍ في رحابكِ هاهنا...
وسنا جَمالكِ في الجداولِ بالغروبِ...
مرَقْرق الأطيافِ
أيَا كلَّ أنَّاتي الحزينة في الدروبِ...
يا همس ناياتي الرخيمةِ بين أروقة الغروبِ...
يا غصن فرحٍ قد تمدد...
بالظلالِ الوَارف الرفّافِ
لله درك! كم بكينا..
واشتهينا حنو غصنكِ
 رائف الأطراف.

هذي السمواتُ السبعُ
شاهدة علينا...
بالأمس ِكنَّا كالسَّحابةِ في السَّماءِ
وكالسحابةِ قد مضينا فانطوينا...
قد حَملناَ العشقَ غيثاً للوجودِ..
نطيلُ أشجارَ السعادةِ...
كل يومٍ بالوعودِ
وحين أَثَقلَ غيث هذا العشق يوماً مُقْلَتَيْنَا
انزوينا بالفراقِ لدى الغياب...
وبالغياب كما السحاب ِقد انتهينا
ثم صرنا كالفرائسِ بين أنيابِ الغياب
وأنتِ أدرى يا حبيبيتي...
ما المشاعرُ بين أوجاعِ الغياب!!
وأنتِ أدرى ...
ما ينال القلب حين يكسرهُ الغياب
وكيف كنا كالجداولِ حينَ تجْرِي ...
ثُمَّ صِرْنَا ...مثل قطر الغيثِ...
شتتَه العُبابْ
أواه ما أقسىَ الغياب...
وما أرقَّ أيام الطفولة ِوالبراءة ِوالحنينِ...
وذكريات الحبِّ واللهو الجميلة...
والهناء بلا حساب.

يا كلَّ أنسامِ الطفولةِ ..
فاذكرينا ..بين غيمات الكهولةِ
كي نطيبَ بطيبِ أيام الشبابْ
وذكرينا كم غزلنا من خيوطِ العشقِ ..
بُرداً نَرتديهِ ...على القلوبِ بلا ثيابْ
وكم بنينا من خيال الحُلم....
قصرًا  للنعيمِ -بعشقنا- فوقَ السَّحابْ
وكم خلقنا من مشاعرنا الصغيرة...
-يا صغيرة - ألفَ كونٍ...
نحيا فيه بلا اغترابْ
وكم فتحنا بالمَحبَّةِ ...
للسَّعَادةِ كل يومٍ يا حبيبتي...
ألفَ بابٍ بعد بابْ
ما كانَ يُفزعنا هناكَ...
سوى الرَّحيل إلى بعيدٍ
ما كانَ يُفزعنا هناكَ...
سوى غروبِ الشَّمسِ يجعلنا نخافْ
وقبلَ أن يمضي النَّهارُ إلى الرقادِ
وقبلَ أن تخطو السنون إلى طريقِ الانصراف
كنَّا كتبنا العهدَ يوماً نَلتقيكِ بذا المكانِ
وكالسحابةِ قد مضينا وانتهينا...
مثلما يمضي الزمان..

عشرونَ عاماً....
يا حبيبتي الجميلة قد مضتْ
وأتى   الخريفُ بخلسةٍ...
متسلِّلاً قبلَ الأوانْ
عشرونَ عاماً....
في مساراتِ السنين تُميتُنا...
وتلومنا...
ونضارةُ العمرِ الجميلة...
بالتَّنَائِــي...قد ذُوتْ
وتناثر الليمون بالطرقات...
وماتت الأوراقُ وأيبس الرُّمانْ....
وحينَ ألقى الثَّوب زَهراً بالمروجِ
ــ بلا حياءٍ يجتبيه ــ السِّنديانْ
كما الجَداولِ قد مضينا وانتهينا....
مثلما يمضي الزَّمان...

وأنا وأنتِ...حبيبتي
 بعد الفراق ....
طيورُ حبٍّ هائمةْ....
وشطوطُ حزنٍ دائمة.....
وموج عشقٍ ينكسر خلفَ التنائي
كاللآلئ في العقودِ تُضيعها الأصداف
نلوم في حزن التباعد عمرنا ، وزماننا
وكل شيء في الحياة  -على النقيضِ- يلومنا...
نبكي سوياً في البعاد فراقنا...

وهناك تبكي وحدها...
رغم المسافةِ...
شجرةُ الصِّفصافْ.