أنشد ابن هانئ الأندلسي يمدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائلا:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
و كأنمــا أنـــت النبي محمـد
و كأنمــا أنصارك الأنصار
ثم يمدحه في موضع آخر قائلا:
ندعـوه منتقمـا عـزيزا قـادرا
غــفار مـوبـــقة صفوحـــــــــــا
أقسمــت لــولا دعيــت خليفة
لدعيـت من بعد المسيح مسيحا
وانشد الأخطل يمدح الوليد بن عبد الملك :
خليفة الله يستسقى بسنته في الغيث عند مولى الغيث منتخب
و يقول جرير لذات الخليفة:
فأنت لرب العالمين خليفة ولي العهد الله بالحق عارف
والطغاة والبغاة على مر التاريخ قد أفردتهم كتب ومراجع وبينت الكثير من أفعالهم وخصائصهم فمن نيرون إلي هتلر وموسيليني ولينن وغيرهم وقد حظى تاريخنا الإسلامي و الحمد لله بجزء ليس بالقليل من هؤلاء الطغاة فمشكلتنا أننا نحن من نصنع الطغاة ونحن من نحمد للبغاة ..فيزيد الطاغية في طغيانه ويثرد الباغي من بغيه ..فصناعة الطغاة فن نتقنه ولنا فيه باع. طويل فربما لن تجد في التاريخ الا فيما قل من له القدرة الكملة على صناعة الفرعون والطاغية مثلنا ..ويزداد الأمر سوءٍ عندما يقترن الطغيان بالسلطة الدينية فيتحول الأمر إلى ما يشبه القداسة والهالة الإلهية المحيطة بشخص الطاغية فتتحول إلى عصمة إلهية دينية بما يستحيل معه رده عن طغيانه أو ظلمه
فليس المهم كيف ولد الطاغية ولا ظروف نشأته ولكن الأهم هو معرفة ما هي الأسباب التي ساعدته على أن يصبح طاغية والمتسببون من بطانة السوء ودعاة التأليه في طغيان حكامهم ...فلم يردعوهم ولم يردوهم حين وجب هذا ...
فعندما يقول كرومويل «اعرف أن تسعة من كل عشرة مواطنين يكرهونني.. ولكن ما أهمية ذلك إن كان العاشر وحده مسلحا». فهذا يعطيك ايحاء بالغ الدقة بما بطريقة تفكير الطاغية ..اذ لا اهمية على الاطلاق لكل رافض له مدام ضعيف الهمة مكسور العزيمة عاجز القدرة
ويقول د .إمام عبد الفتاح في كتابه الطاغية" دراسة نقدية وصور من الأستيداد السياسي ..."عندما قدم معاوية إلى المدينة المنورة في عام الجماعة تلقاه رجال قريش فقالوا: «الحمد لله الذى أعز نصرك وأعلى كعبك»، ولكنه لم يرد عليهم حتى صعد إلى المنبر فقال: «أما بعد فإنى والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتى ولكنى جالدتكم بسيفى هذا مجالدة»! ثم يكشف معاوية عن الأمر الذى نفرت منه نفسه ويا لهول النفور: «ولقد رضت ـ أى دربت ـ لكم نفسى على عمل ابن أبى قحافة ـ أى أبى بكر ـ وأردتها على عمل عمر فنفرت من ذلك نفارا شديدا».
وجاء فى كتاب «العقد الفريد لابن عبدربه»، فيذكر أنه عندما أرسل معاوية إلى عماله يطلب رأيهم فى أمر أخذ البيعة ليزيد «وليا للعهد» قام يزيد بن المقنع فلخص الموقف الأموى من الخلافة فى عبارة موجزة بليغة قال: «أمير المؤمنين هذا»، وأشار إلى معاوية «فإن هلك فهذا» وأشار إلى يزيد، «فمن أبى فهذا» وأشار إلى سيفه. فقال له معاوية: «اجلس، فإنك سيد الخطباء».
ويذكر الدكتور إمام عبد الفتاح في كتابه الطاغية عن عبد الملك بن مروان وكبير مؤسسي الدولة الأموية..و الذى عرف بحمامة المسجد، لأنه لم يكن يفارق المسجد النبوي، ويداوم فيه على قراءة القرآن. ولكنه عندما علم أنه بويع بالخلافة: «أفضى الأمر إليه والمصحف فى حجره فأطبقه وقال: هذا آخر عهدنا بك»، وهكذا بدأ خلافته. ثم عرض عبدالملك سياسته بوضوح شديد فى خطبة شهيرة عام 75 هجرية فقال: "أما بعد فلست بالخليفة المستضعف «يعنى عثمان»، ولا الخليفة المداهن «يعنى معاوية»، ولا الخليفة المأفون «يعنى يزيد»، إلا أنى لا أداوى أدواء هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم. إلا إن الجامعة ـ وهى عبارة عن قيد يجمع اليدين إلى العنق ـ التى جعلتها فى عنق عمرو بن سعد عندى والله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها فى عنقه، والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه ثم نزل".
و ينقل إمام عبدالفتاح عن المسعودى المؤرخ صاحب «مروج الذهب» أن الوليد بكى وهو يستمع إلى وصية أبيه الأخيرة فنهره أبوه لما رأى فيه من ضعف: «يا هذا أحنين حمامة؟ إذا مت فشمر واتزر والبس جلد النمر، وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب عنقه ومن سكت مات بدائه». وقد عمل الوليد بالنصيحة فكان كما يقول المسعودى «جبارا عنيدا ظلوما غشوما»، وأضفى ومازلت أنقل عن د. إمام عبدالفتاح ـ على نفسه هالة من القداسة حتى حرم على الناس مناقشته ومخالفته، ومنعهم من مناداته باسمه، وقام بذلك خطيبا على المنبر فقال: «إنكم كنتم تكلمون من كان قبلى من الخلفاء بكلام الأكفاء وتقولون: يا معاوية ويا يزيد وإنى أعاهد الله لا يكلمنى أحد بمثل ذلك إلا أتلفت نفسه، فلعمرى إن استخفاف الرعية براعيها سيدعوها إلى الاستخفاف بطاعته والاستهانة بمعصيته...
و روى الطبري عن أبي بكر الهذلي أنه قال: إني لواقف بباب المنصور إذا خرج، فقال رجل إلى جانبي: هذا رب العزة، هذا الذي يطعمنا ويسقينا.. فلما رجع الخليفة دخلت عليه فقلت له: سمعت اليوم عجباً، وحدثته بحديث الرجل، فنكث الأرض وقال: يا هذلي، يدخلهم الله النار في طاعتنا أحب إلي من أن يدخلهم الجنة بمعصيتنا.
• كل سلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
وللحديث بقية
Categories:
مقال