تحكي إحدى قصص الأدب الألماني أن فراشة صغيرة قد خلعت التاج من على رأس ملك ووضعته على رأس ملك أخر في مكان بعيد والسبب هو أن متسلق جبال ما قد ضل طريقه في مكان أخر بعيد....
طبعاً قد تجد تلك الاحداث بالتأكيد غير مترابطة ...ولكن دعني أكمل
فالقصة تقول أن متسلق للجبال ...قد سلك طريق خاطئ أو تاه في إحدى الدروب أو عرج إلى مكان خاطئ فأفزع فراشة صغيرة فهربت منه وطارت بعيداً حتى وصلت إلى قصر الملك وكان ولي العهد والوريث الوحيد طفلا صغيرا ولم يكن قد رأى أي فراشات من قبل ففزع ومات في ساعته ... فأنتقل الحكم وتاج الُمُلك من عائلة الملك إلى عائلة أخرى
ولكن ما قيمة هذه القصة ...
قيمة القصة ..أن المؤلف يريد أن يخبرنا بأن الأحداث في هذا العالم مهما كانت بعيدة وغير مترابطة فهي في الحقيقية تتصل وتترابط دائما بطريقة ما وبشكل ما ...أو أن هناك خيط حريري شفاف يربط الأحداث و يمر من بينها ولا نراه أو أن الأحداث في هذا العالم مثل الدوائر المتقاطعة والمتماسة في نقاط كثيرة وأنه لابد أن هناك ترابط ما و بشكل ما بينها مهما كانت تبدو عشوائية أو بعيدة ...
خذ مثلا هذه القصة ..أن ثلاثة أشخاص مختلفين ويسكنون كل في مكان بعيد عن الاخر ... قد خرج كل منهم من بيته في الصباح قاصداً عمله ...
فاستقل الراكب الأول حافلة وكانت الحافلة مزدحمة جدا وبسبب درجة الحرارة المرتفعة حدثت مشادات كثيرة بين الركاب بعضهم البعض أو بين الركاب و المحصل وأخيرا بين هذا الشخص والسائق والسبب الرئيسي للخلاف هو أن السائق كان يتحدث في الهاتف أثناء القيادة وبسبب ذلك فهو يقود ببطء شديد والحافلة تسير ببطء أشد فما كان من الراكب إلا نصحه بأن يسرع قليلا ...النصيحة ذاتها قد استفزت السائق .. ووجعلته يصمم أكثربأن يسير بأقل سرعة ممكنة للحافلة نكاية في الشخص الذي تجرأ ووجه له النصيحة و ايضاًً لالركاب ...سرعة الحافلة اصبحت لا تزيد 30 ك /ساعة أو اقل ...وبالتالي فالطريق الذي قد تقطعه الحافلة في مدة زمنية معينة قد تضاعفت ثلاثة أو أربعة أو خمس مرات وبالتالي وصل الشخص الأول متأخرا عن موعده بساعتين
وأما الشخص الأخر قد قرر أن يستقل وسيلة أسرع وهي حافلة صغيرة أو ما نطلق عليها ميكروباص ..
ووقف الشخص في انتظار الحافلة كأي راكب محترم وكلما أتت أحدى الحافلات انطلق الناس إليها فامتلأت عن أخرها وانطلقت مسرعة حتى مرت نصف ساعة أو اكثر وصديقنا يقف كما هو... ثم أنه و بعد معاناة استقل الحافلة أخيرا...
ثم حدث أن احد الركاب طلب من راكب أخر أن يفسح له المجال حتى يمر ...
ولم يتحرك الراكب ...فكرر الراكب الأول طلبه قائلاً : "بعد إذنك نهارك ابيض "...
فرد عليه الراكب الذي فيما يبدو أنه لم يحظى بيوم سعيد في بدايته ..ولم يكن في افضل حالاته : "مافيش ابيض ...فيه ازرق فيه اسود "
فرد الأول بسرعة : "أسود على اللي جابوك وجابوا اهلك " ثم انهال عليه باللكمات
وكما حدث كل هذا فجأة ...توقفت العربة أيضا فجأة ونزل الركاب والسائق في محاولة في احتواء الموقف ونجحت مساعى التهدئة وتم عقد ما يشبه المجلس العرفي لتقرير المشكلة وايجدا الحل بين الركاب والسائق وطرفي النزاع.. وانتهوا بإدانة الراكب الثاني ..وتم عقد صلح وانتهى الموضوع بأن الراكب المدان قام بدعوة باقي الركاب على أول محل عصير قصب ...
طيب والنتيجة أن الشخص الثاني قد تأخر أيضا عن العمل متأخراً عن موعده بساعتين
ثم نأتي للشخص الثالث الذي قرر أن يستخدم سيارته في هذا اليوم وعندما تعطلت سيارته ..اسرع باستقلال القطار السريع للذهاب إلى العمل
ولأن هذا الشخص لطيف و يحب جدا الاستمتاع بالهواء النقي فهو دائما ما يدلف برأسه خارج النافذة متنسما كل ما يستطيع استنشاقه من ذرات الهواء النقية ...والنتيجة ببساطة
انه في ذات اللحظة التي اخرج فيها الراكب راسه لاستنشاق حفنات من الهواء النقي
اخرج راكب أخر رأسه أيضاً محاولا التخلص من براثن السعال الذي يحرق صدره بكل أنواع الدخان والعوادم ..فبصق خارج النافذة
ثم أن هذا الراكب يجلس في مقدمة عربة القطار وعلى بعد 10 مقاعد من الراكب الأخر
والنتيجة أن البصقة بسبب عوامل كثيرة وبسبب اتجاهات الريح قد خرجت من فم الأول والتصقت في وجه صديقنا الراغب في استنشاق الهواء النقي !!!
وكالعادة ....مشاحنات ولكمات و تدخل باقي الركاب ...
ولأن القطار لا يقف.....ولا يتأخر
فصديقنا قد قرر بعد نزوله من القطار أن يتوجه لعمل بلاغ في الشركة المسئولة عن صيانة القطار ...
طيب وما ذنب الشركة ...
وكما جاء بمحضر الشرطة أن الراكب يتهم الشركة بالإهمال لأنه لولا اهمال لشركة في وضع سلال لألقاء المهملات لبصق الراكب الأخر في منديله ثم القاه بسهولة في سلة المهملات ولكن عدم وجود سلة للمهملات أو عدم وجود مناديل مع الراكب أصلا أو بسبب أن الشركة قد أهملت في إصلاح النوافذ والهوايات في عربة القطار فكانت النتيجة أن أمتار من الدخان والتلوث قد تسللت من النافذة ودخلت إلي صدور الركاب وأن عدم إصلاح النوافذ ووجود كسور في بعضها قد شجع المدخنين على أن يفتحوا النوافذ ليخرج منها الدخان الناتج من احتراق السجائر أو من احتراق أعصاب الناس ..!!
والنتيجة أن الشخص الثالث أيضا قد تأخر عن العمل عن موعده بساعتين...
طيب ما الفكرة في هذه القصة ولما كل هذه التفاصيل الصغيرة ؟؟؟
الفكرة أن الرابط بين الثلاثة أشخاص انهم جميعا مرو بظروف متشابهة ولكن في أماكن مختلفة وانهم جميعاً يعملون جميعاً في مكان واحد وقد وصلوا جميعاً متأخرين وأن العمل قد تأخر نتيجة لتأخرهم هذا ..هذا رابط أساسي وقد تجد أي روابط أخرى وتفاصيل وخطوط نجدها نحن أو يجدها غيرنا تجمع ..بين القصص الثلاث..
والمعنى أن هناك دائما رابط ما بين كل شيء في الحياة حتى لو كان هذا الرابط خفي وبعيد مثل ابعد نقطة في جسدك وهذه النقطة البعيدة عنها جدا والتي ليس لها علاقة بها في الخلايا العصبية بمخك...أنها الخيوط الحريرية التي لا نراها لكنها تربط بين تفاصيل كثيرة في حياتنا
Categories:
مقال