انتهى عم عبده من تلميع زجاج سيارته "التاكسي" المتهالكة ...ولكنه بدا ولوهلةٍ كتمثال حجري مصمت حينما تحجرت عيناه وتيبست كلتا يداه على حين فجاءة قبل أن ترتد الحياة إليه مرة أخرى بدفعة واحدة فيستكمل ما كان يفعله منذ لحظات بشكل ميكانيكي نمطي..
تأمل عم عبده سيارته بإمعانٍ وتأني ..ثم شرع في تفحصها مقلباً عيناه عليها تقلب الحية على الرمال الساخنة متفحصاً كل جوانبها و كافة زواياها وما لبث أن مضي ليلتف حولها التفاف أنثى الذئب الحاذق حول وليدها...
هز عم عبده رأسه مبدياً إعجابه بنظافة سيارته العتيقة , مثنياً لنفسه على نتيجة عمله فيها وما لبث أن توقف للحظة ثم فتح باب السيارة ودلف داخلها بهدوء و قبل أن يدير المفتاح الخاص بمشغل السيارة أمسك بقطعة مبللة من القماش النظيف ليمسح بها بعناية فائقة على التابلوه الأمامي للسيارة مزيحاً ما ربما قد يكون تبقى من بقايا غبارٍ قد علق بها ثم أدار محرك السيارة بسرعة ومهارة وانطلق.............
تأمل عم عبده سيارته بإمعانٍ وتأني ..ثم شرع في تفحصها مقلباً عيناه عليها تقلب الحية على الرمال الساخنة متفحصاً كل جوانبها و كافة زواياها وما لبث أن مضي ليلتف حولها التفاف أنثى الذئب الحاذق حول وليدها...
هز عم عبده رأسه مبدياً إعجابه بنظافة سيارته العتيقة , مثنياً لنفسه على نتيجة عمله فيها وما لبث أن توقف للحظة ثم فتح باب السيارة ودلف داخلها بهدوء و قبل أن يدير المفتاح الخاص بمشغل السيارة أمسك بقطعة مبللة من القماش النظيف ليمسح بها بعناية فائقة على التابلوه الأمامي للسيارة مزيحاً ما ربما قد يكون تبقى من بقايا غبارٍ قد علق بها ثم أدار محرك السيارة بسرعة ومهارة وانطلق.............
مرت فترة ليست بالقليلة وقد توسطت الشمس كبد السماء وهرب الخلائق من حر الشوارع قاصدين كل ظلٍ بينما عم عبده يدور ويدور ويدور بالسيارة بلا طائل ولا جدوى كضارٍ يبحث عن فريسته في دغل متشابك ورغم مرور ساعتان واكثر منذ انطلاق عم عبده بالسيارة غير أنه لم يعثر على ضالته في تلك الشوارع المزدحمة بالسيارات والمتخمة بالبشر والحيوانات جانبا إلى جانب وقد بدا عم عبده بسيارته العتيقة كريشة صغيرة تسبح وسط شلال مندفع من السيارات والبشر وقد اختلطا وتلاحما بنسيج عجيب متشابك ما فتأ يتدافع ويتدافع بغير تحكم من راكبيها ....
وقبل تقاطع شارعي "الثورة" والحرية" أرتج جسد" عم عبده" بشدة حتى كادت رأسه أن تصطدم بعنفٍ "بتابلوه" السيارة أو أن تندفع محطمة ومخترقة الزجاج الأمامي للسيارة حدث هذا فجأة عندما ضغط عم عبده على مكابح السيارة بشدة وبشكل تلقائي ومفاجئ محاولاً إيقاف اندفاعها السريع فكان كمن يحاول السيطرة على عربة يجرها حصان نحيل في جريانها إلى منحدرٍ عميق فأن هو نجح في إيقاف الحصان فشل في إيقاف العربة بقوة اندفاعها ...
حدث كل هذا في ثوانٍ قليلةٍ جدا وذلك عندما لمح "عم عبده" ذلك الزبون الوجيه ذو البدلة السوداء والذي يقف على جانب الرصيف بينما يشير بيديه بإشارات سريعة متلاحقة بما يعني رغبته في الحصول على توصيلة سريعة في هذا الحر البالغ بينما تبدو عليه علامات التعجل ويكاد أن يقفز من جوف عينيه شبح التوتر وفي ذات الوقت يبدو الرجل في حالة مزرية من شدة الحرارة وهو يمسك بيديه منديلا من القماش المربع ماسحاً به قطرات العرق التي تسيل في كل أجزاء جسده و في ذا ت الوقت يستعين به محاولاً الاحتماء به من قيظ الشمس المتوهجة ..
وعلى الرغم من وقوف عم عبده المفاجئ بالسيارة غير انه و فيما يبدو أن محاولة عم عبده للوقوف بشكل جيد قد فشلت إذ لم يستطيع "عم عبده" كبح جماح السيارة في وقت مناسب لتقف تماما بالقرب من الرجل....
حدث كل هذا في ثوانٍ قليلةٍ جدا وذلك عندما لمح "عم عبده" ذلك الزبون الوجيه ذو البدلة السوداء والذي يقف على جانب الرصيف بينما يشير بيديه بإشارات سريعة متلاحقة بما يعني رغبته في الحصول على توصيلة سريعة في هذا الحر البالغ بينما تبدو عليه علامات التعجل ويكاد أن يقفز من جوف عينيه شبح التوتر وفي ذات الوقت يبدو الرجل في حالة مزرية من شدة الحرارة وهو يمسك بيديه منديلا من القماش المربع ماسحاً به قطرات العرق التي تسيل في كل أجزاء جسده و في ذا ت الوقت يستعين به محاولاً الاحتماء به من قيظ الشمس المتوهجة ..
وعلى الرغم من وقوف عم عبده المفاجئ بالسيارة غير انه و فيما يبدو أن محاولة عم عبده للوقوف بشكل جيد قد فشلت إذ لم يستطيع "عم عبده" كبح جماح السيارة في وقت مناسب لتقف تماما بالقرب من الرجل....
توقف "عم عبده" متخطيا الرجل بعدة أمتار فأشار الرجل إليه بيده إشارة ما تعكس رغبته في أن يقوم عم عبده بإرجاع السيارة إلى الخلف وقد اكتست ملامح وجه الرجل بعلامات مختلفة كلها تدل على عدم الرضا.....
تراجع "عم عبده"بالسيارة إلى الوراء قاصد مكان الرجل الواقف بالتحديد...
و لكن الرجل كان قد خطا عدة خطوات للأمام بسرعة فانعكس الموقف في تلك اللحظة وأصبح الرجل في الأمام ويخلفه تاكسي عم عبده بعدة أمتار....
توقف الرجل ورفع رأسه للسماء وخرجت منه تنهيدة حارة تترجم يأسه و تعكس توتره و حالة الإرهاق التي انتابته من حرارة الجو و من تصرف عم عبده .. ثم حرك رأسه بيأس معلنا استسلامه وهو يشيح بيديه ...
توقف الرجل ورفع رأسه للسماء وخرجت منه تنهيدة حارة تترجم يأسه و تعكس توتره و حالة الإرهاق التي انتابته من حرارة الجو و من تصرف عم عبده .. ثم حرك رأسه بيأس معلنا استسلامه وهو يشيح بيديه ...
تقدم "عم عبده" مرة أخرى بالسيارة و توقف أمام الرجل بهدوء و فتح له باب السيارة فدلف الرجل بجسده كله مرة واحدة ملقيا بجسده كقطعة حجر على المقعد الخلفي.......
ألقى "عم عبده" نظرة سريعة شاملة متأملا الرجل...
رجل بدين إلى حدٍ كبير ذو شارب قصيرٍ جداً أبيض اللون .... تشوبه حمرة و قد بدا بشعره المجعد الملتوي المائل للأحمرار أشبه بمهرج في السيرك....
تأمله عم عبده بسرعة مرة أخرى ثم أدار السيارة و انطلق بها و هو يهز رأسه قبل أن يوجه له بشكل تلقائي سؤاله المعتاد : على فين العزم يا بيه؟؟!
أجابه الرجل بسرعة: أستوديو الأهرام بسرعة يا أسطى.
انطلق عم عبده بالسيارة.. وأمتدت يداه بسرعة لتدير جهاز الراديو القديم للسيارة واخذ المؤشر يتراقص ويتمايل بين المحطات والموجات الإذاعية المختلفة حتى إرتمى في أحضان أحداها فخرجت من بين موجات الأثير في الراديو أصوات مختلطة تبدو كأنها لمسلسل إذاعي ما.......فألقى عم عبده بكلتا أذنيه باتجاه الراديو محاولا الإنصات واستيضاح كنية هذا المسلسل الدائر لثواني قليلة قبل أن يهز رأسه نافياً علامة عدم الرضا ومن ثم يدير المؤشر مرة أخرى على محطة أخرى لتخرج منها أصوت مختلفة لموسيقى فيما يبدو مألوفة له ...وعندها ....همس عم عبده محدثاً نفسه بصوت هادئ و مبتسماً ..."هي دي".
هز عم عبده رأسه بسعادة وهو يدق بأنامله بدقات متتالية ذات إيقاع متسق على مقود السيارة ويدندن بفمه بذات اللحن المتمم للأغنية التي تبث عبر الأثير.
هز عم عبده رأسه بسعادة وهو يدق بأنامله بدقات متتالية ذات إيقاع متسق على مقود السيارة ويدندن بفمه بذات اللحن المتمم للأغنية التي تبث عبر الأثير.
أبدى الرجل الجالس بالخلف إنزعاجاً شديداً عكسته كل ملامح وجهه من صوت عم عبده الأجش........وذلك قبل أن يقول له ـ:
-يا سيدي......
يا أسطى ...
حرام عليك...
إرحمني شوية ...
هو حضرتك مش ممكن تسوق وأنت ساكت ...
مرة تغنى ...ونوبة تطبل ...ومرة تصفر...حاجة غريبة..
دماغي بقت "منخل" حرام عليك
- قطب عم عبده حاجبيه باستغراب شديدٍ كمن صدم بخبرٍ ما أو كمن قد أستمع لتوه إلى معلومة غريبة يسمعها لأول مرة قبل أن يهز رأسه بغضب شديد ويغلق الراديو بعنف وتوتر وعدم رضا......
لاحظ الرجل إضطراب مقود السيارة في يد عم عبده وبأن السيارة تسير بشكل أفعواني عجيب.. والذي فيما يبدو كان نتيجة لغضب سائقها وتوتره الشديد.
فحاول الرجل بشكل ما إصلاح الموقف وقال محاولا تهدئته و تلطيف الأجواء الملبدة بينه وبين عم عبده..........
يا ترى بتحب السينما يا أسطي ؟
تجاهل عم عبده إجابة السؤال وكأنه لم يستمع أصلاً إليه...مما دفع الرجل لإعادة طرح السؤال بطريقة أخرى....هو إسم الكريم أيه؟؟؟
-الأسطى عبده
بقى لك كثير بتسوق يا عم عبده
- خمسة وأربعين سنة يأبيه
أغمض الرجل إحدى عينيه كناية عن إستغرابه من طول الفترة التي ذكرها عم عبده ..ولكنه استدرك
- طب و يا ترى بتحب السينما يا أسطى ...عبده؟؟
- سينما أيه يا بيه ده أحنا غلابة...هوأحنا عندنا وقت للحجات دي خلي الحجات دي لأصحابها البهوات اللي زي حضرتك وخلينا أحنا للشقى والغلب..طب ده أنا بخرج من طلعة الشمس ومن صبحيه ربنا لأخر الليل و أتحمل بهدلة الطريق ورزالة الزبائن وكل ده ليه ...علشان لقمة العيش. .........
خُيل للرجل بشكل ما ...أن عم عبده ربما يكون قد ضغط بأسنانه على أحرف كلمة .."رزااالة" الزبائن فبدا وكأنه يوجه اليه رسالة ماغير أن الرجل إبتلع الكلمة وشرب مائها و تصنع الدهشة وتكلف الإبتسام وهو يقطب حاجبيه بإندهاش مصطنع..ويسأله
-يعنى معندكش حتى تلفزيون !!!
-عندي....تلفزيون بس مبشفهوش يا بيه!!!
- أيه ده معقول ؟؟يعنى عمرك ماشفت لا سينما و لا مسرح و لا.....
قاطعه عم عبده وهو يهز رأسه نافياً....
- أبداً أبداً يأبيه ....ثم استدرك ...
يمكن مرة زمان أيام الشقاوة شفت فيلم" لسي نجيب الريحاني " ولا "على الكسار" باين مش فاكر ............. ولكن بعد" العلقة إياها "عمري ما دخلتها تاني
- -علقة ؟؟علقة أيه؟؟
- أصل مرة يا بيه ولا مؤاخذة رحت أنا وحسن ابن خالي وعلى "الأحول" صاحبه سينما "ألف ليلة"..اللي كانت قريبة من بيتنا القديم.
وبعد ما الدنيا ظلمت والناس عاشت ولمؤاخذة مع أحداث الفيلم ...
فجأة مرت "قطة صغيرة جربانة من جنب حسن إبن خالي وقعدت "تنونو"..نيو نيو نيو ...
وقام حسن إبن خالي طبطب على القطة وحطها على رجليه وكنا قاعدين في بلكون السينما...
و راح الواد حسن منه لله رامي القطة من فوق على الناس اللي في السينما تحت .....
وعنها يأبيه وعينك ما تشوف الا النور ...رحنا سامعين صراخ وزعيق وناس بتقع و ناس بتجري وناس لابسة وناس قالعة و النور نَورّ ...وقفلوا الفيلم......
ومسكونا بعد لما الواد على الأحول ما خبث علينا..............
- ياه دي حاجة صعبة قوى يا اسطى ....................يعنى ما سمعتش عن عوض عوض عبد الحق
- عوض مين يا بيه أنا معرفش غير عوض الفررجى جارنا.........
- يا عم عبده ....."عوض عوض عبد الحق" الممثل العظيم ونجم المسرح و التلفزيون و السينما و الإذاعة
- لا و الله يا بيه لا"عوض" و لا مرض
- حاجة غريبة يا أسطى أنت مش عايش في الدنيا معنا ولا أيه...
طب سينما وتلفزيون ما بتتفرجش طب و إعلانات النيون اللي مالية الشوارع .كمان ما بتشوفش...
أحس عم عبده بالقلق والتوتر و قد حدثته نفسه بأن هذا الراكب ربما يكون مخبر أو أحد ضابط المباحث وذلك على الرغم أن هيئته التي بدت مش ولابد.لا توحي بذلك............
- يا بيه ولاموخذه هو حضرتك بتسأل ليه؟؟!!
- يعنى أنت مبتشبهش عليّ و لاحاجة..
طب بُصلي كويس كده !!
تضاعف منسوب القلق لدى عم عبده وبلغ مداه وتوترت أنامله بشدة على مقود السيارة
- لا حاجة ولا محتاجة يا بيه...هو إحنا و لامؤخذة أتقابلنا قبل كده و لا حاجة..........
نظر الرجل إلى عم عبده نظرة شرسة,, لم يستطيع أن يخفى فيها علامات التحدي وغمز له بإحدى عيناه وهو يحرك رأسه كالكرة على أكتافه
- لا ...................بس بقول يعنى معقول ما تعرفش النجم الأول في البلد عوض عوض عبد الحق...
- يا دى عوض اللي طلع لنا في البخت ...مين عوض ده.........
- أنا عوض ...وعوض هو أنا..........
- يا سلام يا بيه ...هو أنت ...سيادتك...حضرتك...و لامؤخذه الممثل الكبير بتاع السينما عبد الحق عوض بيه
- قلنا عوض ...عوض عوض عبد الحق.......... عبد الحق ده يبقى أبويا..........
- لامؤخذة يا بيه اللي ما يعرفك يجهلك يعنى بلا قافية سيادتك الممثل الكبير قوى عوض عبد الحق
وهنا أنتفخت أوداج الرجل قبل أن يقول بكل فخر ...نعم أنا.
- يا سلام يا بيه و رايح استديو الأهرام تعمل أيه ...فيلم جديد؟؟؟؟
- ايوه يا سيدي
- اقتربت السيارة من بوابة الأستديو فقال الرجل بهدوء يشوبه لمحة من الفخر ..........
- ايوه...حاسب هنا يا ...أسطى
- حاضرحاضر يا أستاذ رضا
- نظر الرجل إليه باستغراب شديد وثغر فاه وكاد أن ينطق بكلمة ما ...لعلها اقرب للسباب ولكنه عدل عنها وهز رأسه علامة القرف و عدم الرضا ثم فتح باب السيارة ونزل منها بعدما أعطى عم عبده البنديرة...............
ثم التفت إلى السيارة ليلقي عليها نظرة مشمئزة بينما يسعل بشدة جراء التراب التي أحدثته السيارة أثناء انطلاقها محدثة ورآها دوياً هائلاً و مخلفة ورائها عاصفة ترابية كبيرة...ثم قال محدثا نفسه ...
- جاهـــــــل
- أما عم عبده فاخذ يهز رأسه بسعادة وقد أدار موشر الراديو حتى أتاه صوت المذيعة عبر الأثير وهى تقول...نستمع الآن إلى حلقة جديدة من المسلسل المباشر """العز في بيتي""" بطولة النجم عوض عوض عبد الحق
- ضاقت حدقتا عم عبده محاولاً تذكر الأسم ..وهل يعرفه فعلاً أو مر عليه من قبل..ولكن انهكته محاولات التذكر...فهز رأسه قبل ان يدير عم عبده المؤشر إلى محطة أخرى لاحت له فيها أصوت لموسيقى مألوفة له فاخذ يصفر و هو يطرق بأنامله على المقود و يدندن............. بذات النغمة والإيقاع..
Categories:
قصص قصيرة