هَمَسـَــاتٌ عـَـابرةْ II


...وأما المؤكد ...أن لهذا الكون  نظام ونواميس محددة فلا شيء يدوم ولا شيء يبقى للأبد وإنما حضارات تولد وأنظمة تحيا وتستمر ما شاء الله لها أن تستمر حتى يحين وقتها فتندثر و يولد غيرها. ولعل ما يساعد في نشأة الحضارات والأنظمة المختلفة من وجهة نظري أسباب متعددة أهمها - وجودة قوة موحدة الأفكار والمرجعيات بغض النظر عن انتمائها الدينية والعقائدية .وأيضا وجود كوادر علمية وقيادية لها كثير من القدرات الإبداعية وقوة التأثير والنفوذ. وليس بالضروري أن يصحب نهضة الأمم نهضة حضارية لها فليست كل الأمم اصحاب حضارات فالأهم ان تكون قوة منظمة وكما ذكرنا أيضا وجود الفكر التوحدي والإمكانيات القيادية
فليس صحيحا أننا كمجتمع عربي وإسلامي قد سقطنا واندثرت حضارتنا العظيمة في الأندلس وفي بغداد وغيرها بسبب يتعلق لأننا بعدنا عن الإسلام وقيمه ولا لأن غيرنا قد نما وعظم لأسباب دينية بحتة ..لكن نشأة الأمم لها سبل ومقاييس ..وتداعيها له أسبابه التي قد يكون من ضمنها ضعف الدولة وانهيار قيمها الأخلاقية. فقبل الإسلام بقرون عديدة كان هناك حضارات أخرى فكان هناك حضارات فرعونية ولها قيمتها وقيمها وحضارات بلاد الصين والفينيقيين وبلاد الهند والرومان وبلاد فارس وغيرها...
وحتى في عصر الخلافة الإسلامية ..من غير المنصف ان نقول ان دولة بنى أمية وبنى العباس كانتا دولتان متمسكتان بالقيم الدينية بل على العكس استشري فيهما كثير من مظاهر الطغيان و البعد عن الدين واللهو و المجون وانتشار الخمارات على الرغم من قربهما من سنوات الخلافة الراشدة...ولكن كدولة قائمة وكنظام سياسي واجتماعي واقتصادي فكانتا في مصاف الدول العظمى من حيث قدر الفتوحات واتساع الرقعة الجغرافية والاهتمام بالعلوم واللغة وصك العملات وغيرها...
ولنضرب مثل بالتتار وهي أمة من الأمم 603هـ/ 1206موحدهم جنكيز خان وخاض بهم الأرض شرقها وغربها ففتحت لهم الأراضي والبلدان حتى اسقطوا دولة الخلافة الإسلامية في 1258 على يد هولاكو. كانت أمة بغير حضارة ولا دين فشريعتهم الياسق هي مجرد مجموعة من الأفكار المختلفة من ديانات وأفكار ومبادئ عامة قد جمعها لهم جنكيز خان في كتاب وجعله شريعة لهم وكانوا قبل ذلك متفرقون كالبعير..
فالتتار كما ذكرنا أنفا أمة بغير حضارة...بغير دين ...بغير أخلاق ..حتى بغير ضمير...وبالرغم من ذلك دانت لهم الارض بما عليها ففتحو بلاد فارس وخرسان وافغانستان وخوارزم وسمرقند والشيشان وروسيا و أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وأوربا الشرقية واوكرنيا وبولندا ولكن كما يقول الله تعالى "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
اندثرت قوة التتار بعد معركة عين جالوت سنة 1260 وبدئوا في طريق النهاية ولم يكن لهم الا ظهور قليل على يد تيمور لنك بعد ذلك ..
اذن الشاهد من ذك ان التتار رغم انهم قوم بلا منطق ولا اخلاق ولا دين ...فتحت لهم الارض حيت توافرت لهم سبل النهضة والقوةالموحدة...
وللحديث بقية.

Categories: