وعندما يغرد يكون غنائه وتغريده أعذب من غناء كل مخلوقات الأرض ..
ولكن كان دائما هناك شيء ما يؤرقه...
شيء ما يدفعه لكي يطير بعيدا ويفتش عنه حتى يجده ...
و منذ اللحظة التي يهجر فيها عشه ليطير... ينطلق باحثا عن غصن ما ..
غصن شائك له شكل مميز ...يبحث عنه ولا يرتاح حتى يجده....
و عندما يجده تنغرز في صدره شوكة كبيرة و لكنه لا يتوقف و يتابع غناؤه بين كل الأغصان الوحشية التي تجرح جسده ..
لكنه لا يتوقف عن الغناء....
حتى إنه عندما يستمع الي صوت غنائه وهو يغرد فإنه يوقن بدنو الموت..
وبينما يلفظ أنفاسه يرتفع صوته بالغناء ...
وعندما يغرد هذه المرة يكون تغريده رائعاً بشكل يفوق شدو البلابل والشحارير
يصدح بأغنية أخيرة ....
اغنية يصغي الكون لروعتها....
أغنية رائعة ...وروعتها ثمنها الحياة ذاتها ...
يقول شاعر اسبانيا الكبير أنطونيو ما شادو تمجيداً للوركا :
لقد رأوه يسعى
انحتوا يا رفاقي للشاعر لحداً مقدوداً من حجر وحلم
في الحمراء، فوق نبعٍ، ينتحب فيه الماء، وبلغوا دوماً:
هاهنا اُقترفت جريمة في غرناطة... في غرناطته
مات لوركا علامة الادب الاسباني والعالمي شاباً فتياً...
وقبله مات رامبو الفرنسي...
وطرفة بن العبد الجاهلي....وأبو القاسم الشابي...وغيرهم
فالعظماء دائماً يموتون صغاراً
أو لعل موتهم المبكر هو ما يجعلهم عظماء
وقد اثار تقرير للبوليس الإسباني نشر مؤخراً ولكن يرجع تاريخه إلى عام 1965 ولم ينشر من قبل حول مقتل الشاعر الإسباني الشهير جارسيا لوركا العديد من الشكوك والبلبلة. وكان التقرير محفوظاً في حوزة الكاتبة الفرنسية مارسيل أوكلير صاحبة كتاب "طفولة ووفاة جارسيا لوركا في 1968، والتي ظلت محتفظة به لديها خوفا من حكم الفاشية في اسبانيا.
هذا التقرير اعاد بشكل ما إلى الأذهان عناصر غموض وابهام تلك القضية المفتوحة حول موت لوركا ونهايته واسباب ودوافع مقتله واختفاء جثته الغامض
ورغم غياب التقرير واختفائه حقب كثيرة غير أن ما قد طرحه الكتاب من وجهة نظر لم تختلف كثيراً عما قد تم مناقشتها من قبل ولم تختلف كثيرا عما طرح من قبل حول اسباب مقتله على يد كتائب الجنرال فرانكو
غير ان الاختلاف الحقيقي قد أتى به كتاب اخر صدر في اسبانيا عام 2008 تحت عنوان «الحقيقة حول مقتل غارسيا لوركا. تاريخ عائلة» عن دار النشر «إيبرساف»، والذي قام فعلياً بطرح وجهة نظر مغايرة عن الدوافع السياسية التي كانت معلنة بطريقة شبه مؤكدة في مقدمة الأسباب التي أفضت إلى إعدامه على يد فصيلة إعدام متخصصة تابعة لقوات الجنرال فرانكو الفاشية وقد اتت وجهة نظر الكتاب في دوافع القتل مختلفة أيضا عن بعض الروايات الأخرى التي تتحدث عن أن احد الاسباب أيضا ربما كان شذوذه الجنسي وان كنت استبعد هذا التوجه..
وإن كانت وجهة النظر تلك و المطروحة مؤخراً تشابه إلى حد ما وجهة نظر الدكتور محمود علي مكي العالم المصري في الدراسات الأندلسية.
و الذي يرى : (إن الجنرال فرانكو وأنصاره حمُّلو المسؤولية والاتهام بالوقوف وراء اغتيال لوركا وخصوم فرانكو الكثيرون صبوا جام غضبهم عليه وأضافوها على جرائمه الكثيرة لتكون الجريمة الأبرز وهو ما يتنافى مع معطيات كثيرة تدلل على انها تهمة باطلة فمقتل لوركا على يد ذلك النظام يفتقد الدافع فلم يكن للنظام ابداً مصلحة في قتله، بالإضافة لأن هذا النظام لم يكن اصلا قد تحددت ملامحه بعد، كما ان اتهام حزب الكتائب (الفالانج) أيضا بتدبير جريمة مقتل لوركا هي تهمة أشد بطلاناً لأن قادة هذا الحزب في غرناطة هم على وجه التحديد بذلوا كل الجهد لحماية لوركا لا لعلاقة سياسية تجمعهم بل لعلاقة شخصية تربطه بأسرة معروفة تنتمي لهذا الحزب
بيد أن الدراسة التي قام بها كل من ميغيل كاباييرو وبيلار غونغورا تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وتكشف النقاب عن سبب اقرب أن يكون الدافع الحقيقي الذي أدى إلى موته
و يبين التحقيق والبحث أنه ربما كان هناك مجموعة من الدوافع العائلية والعصبية أو المجتمعية المنغمسة بأحقاد وضغائن العائلات المحلية والمواجهات التي كانت على أشدها فيما بينهما، وأن الأمر لم يقتصر على المواجهات السياسية فحسب، وإنما أيضا التحديات والموجهات الاقتصادية والاجتماعية التي كان مسرحها بساتين ومزارع وادي غرناطة أيضا وأن الأحقاد والضغائن بين أبناء عائلات وادي غرناطة ربما كانت أحد الأسباب التي تقف وراء موت الشاعر الإسباني فدريكو غارسيا لوركا، ذلك أن أعداء والده فدريكو غارسيا رودريغيز انتقموا منه عن طريق قتل ابنه ...
وبذلك فقد اضاف الكتاب عن طريق طرح وجهة النظر تلك بعدٌ اخر لعملية القتل الغامضة وهو تأكيد مقولة قيلت من قبل أن الأقارب ربما يكونون وراء مقتل لوركا وأن من قتله ليس بالتأكيد فقط نتيجة لأسباب ودوافع سياسية ....
وللحديث بقية
Categories:
مقال